عندما تكثر الضبابية يصبح النصابون والمحتالون والدجالون والمشعوذون والسحرة ومنتحلو المعرفة والدين موجهين للرأي العام من خلال كل ما يقدمونه كمواد استهلاكية فاسدة.
عدد من المغالطات تقدم اليوم للرأي العام حول هذا الفيروس تفسد وتضعف المجهودات التي تقدمها الدولة بل وتجد الشخص غير متأكد مما يطلب منه القيام به لصالحه معتقدا ان جهة ما تتآمر عليه كما فسر له الدجال. هذه المسافة بين المجتمع والدولة تم الاشتغال عليها باعتماد عدد من النماذج التي أصبحت رائدة اليوم.
لقد رأينا كيف استطاعت بعض الدول أن تتحكم في الجائحة عبر الذكاء الاقتصادي أو التحكم الرقمي في المجتمع الذي تحول لفرد واحد. فاليابان يمثل اليوم قمة الدول التي مارست الذكاء الاقتصادي منذ أكثر من سبعين سنة لتسريع تطور مجتمعها واقتصادها بل ولتصبح ثالث قوة اقتصادية عالمية.
أمام جائحة فيروس كورونا لم يجد هذا البلد أدنى صعوبة في تدبير هذه الأزمة بل وبأقل تكلفة عالميا علمًا أنها كانت ثالث بلد يصاب بهذه الفيروس بعد الصين. وتمكنت بسهولة من تطويقها. واليوم تتوفر على أدنى عدد من الوفيات عالميًا مقارنة بوزنها الديموغرافي (0,7 في المليون) بل لم نلاحظ أدنى ارتباك عندها كما حصل في الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا.
هذا النموذج الياباني يقابله النموذج الصيني المبني على التحكم الرقمي في المجتمع. وهي منهجية مخالفة تمامًا لنموذج اليابان.
فالصين ليس بلد ديموقراطي رغم أن اقتصاده يعتمد السوق. الصين أبهرت العالم في تدبيرها للمجتمع بشكل تام عبر وسائل التكنولوجيا المتقدمة. فالصين أنهت التعامل بالنقود منذ مدة بعد أن حولتها إلى رقمية. كما أن المجتمع كله أصبح مرقمًا وكل فرد له نقطة محددة من حيث الانضباط والسلوك تحدد مدى انضباطه المجتمعي. والتعليمات تمر بسرعة فائقة من المركز للمواطن أينما وجد.
الصين اشتغلت على هذا النموذج المجتمعي منذ مدة وهو ما ساعدها على تدبير هذه الأزمة بشكل أثار انتباه العالم. الصين تعرف أن هذه الثورة الرقمية المجتمعية ستخفض كلفة تدبير المجتمع في الأوقات العادية وفي التدبير السريع للمجتمع في زمن الأزمات.
النموذج الياباني في تدبير المجتمع يعتمد الذكاء الاقتصادي الذي يهدف رفع وعي المجتمع بكل ما يدور حوله محليًا ووطنيًا ودوليًا و حتى داخل المقاولة تجد العامل على دراية تامة بما يجري داخلها من تطورات وتحديات. أي أن المواطن يتحمل المسؤولية كاملة ويثق في المسؤول.
كل هذا يتم دون ضغط أو ابتزاز بل برغبة جامحة من المواطن نفسه الذي يعرف أن مصالحه تلتقي مع مصالح الدولة والوطن في كل الظروف.
د. ادريس الفينة
أستاذ التعليم العالي بالمعهد الوطني للإحصاء و الاقتصاد التطبيقي