Articles

رسالة إلى مهندسات و مهندسي المغرب بخصوص تنظيم المهن

Radouane ASTOU

مؤسس مبادرة « مغرب الهندسة »

إلى السيدات و السادة المهندسات و المهندسين المغاربة،

لقد سجلنا طيلة العقدين الأخيرين، خلال مناقشات سبل تنظيم المهن الهندسية، حماسة العديد من المهندسات و المهندسين والمتفاعلين الإيجابيين مع قضايانا للعمل على خلق « الهيئة الوطنية للمهندسين المغاربة » لتكون إطارا يسهر على حماية المواطن المغربي من الدخلاء على المهن الهندسية و ضمان جودة الخدمات التقنية المقدمة لهم. كما سجلنا كما هائلا من الاختلالات على مستوى منظومة التكوين الهندسي داخل المؤسسات الوطنية و كذا على مستوى مزاولة المهن الهندسية بالعديد من المجلات مما يستدعى خلق إطار جديد يحافظ على القيمة الاعتبارية للقب « مهندس » داخل المجتمع ويرقى بمستوى ممارسة مهنه خدمة للتطور الاجتماعي و الاقتصادي المنشود.

وهو نفس المطلب الذي روجت له الجمعية المغربية للمهندسين الشباب منذ تأسيسها سنة 2003. و تبنته النقابة الوطنية للمهندسين المغاربة بجعله في مرحلة أولى شعارا لمؤتمرها التأسيسي سنة 2007 « نقابة وطنية للمهندسين في أفق هيئة وطنية للمهندسين المغاربة ». وبتضمينه في مرحلة ثانية بملفها المطلبي المودع لدى حكومة عباس الفاسي سنة 2008.

و هو المطلب ذاته الذي لم تتبنه رسميا جمعية الاتحاد الوطني باعتبارها الممثل التاريخي للمهندسين المغاربة إلا في ماي 2016. و هو ما اعتبر انتصارا لكل من ندد بالموقف السلبي الذي اتخذه مؤتمر الاتحاد السادس إزاء هذا المطلب سنة 2008 حين فضل شرعنة موقف الوزير الأول « عباس الفاسي » الرافض لمبدئ تأسيس الهيئة بدريعة صعوبة تجميع كل المهن الهندسية داخل إطار واحد.

وبخصوص هذا الرفض الرسمي، أتذكر كم الحسرة التي سطت على صوت المهندس « مهدي الداودي » الرئيس السابق لجمعية خريجي المدرسة المحمدية للمهندسين و الرئيس المؤسس للنقابة الوطنية للمهندسين المغاربة حين أخبرنا بفحوى الرد على الرسالة التي توجه بها للسيد رئيس الوزراء عباس الفاسي باسم تنسيقية التمثيليات الهندسية بخصوص فتح ورش تأسيس الهيئة. كما أتذكر تطابق مواقف جميع المناضلين حين اعتبروا هذا الرد خارج السياق العام للصحوة التي يعرفها القطاع و للرهانات التي رفعتها الدولة حين إطلاقها سياسة الأوراش الكبرى و عبروا حينها عن استماتتهم في الدفاع عن المطالب المشروعة للمهندسين المغاربة.

أتذكر أن ذاك الرفض لم يزدنا إلا إصرارا على إسماع صوتنا للعموم من خلال نقابتنا الواعدة الفتية. فقمنا في 15 من دجنبر 2007 بتنظيم اللقاء الوطني الأول للمهندسين المغاربة تحت شعار « المهن الهندسية بالمغرب بين الآفاق و التحديات و الإكراهات » و قد كانت أول مبادرة تشرك المهندسين في صياغة مطالبهم. ثم نظمنا اللقاء الوطني الثاني في 29 يناير 2011 تحت نفس الشعار واستدعينا إضافة للمهندسين المغاربة، ممثلين عن ثلاث هيئات هندسية أجنبية: البرتغال و تونس و إسبانيا. وقد شكلت عروض الضيوف و مداخلات الحضور، ردا قويا على الرفض الحكومي ودحضا لكل من روج لاستحالة تنظيم المهن الهندسية داخل هيئة واحدة. ومنذ ذلك الحين، توالت المحطات النضالية من أجل تأسيس الهيئة حتى صارت مطلبا أساسيا لا يختلف في مشروعيته مهندسان.

و بعد محطة 20 فبراير 2011 التاريخية و خطاب 9 مارس من نفس السنة و التصويت بنعم على دستور فاتح يوليو 2011 و تنصيب حكومة بن كيران، استبشرنا خيرا. فقد ارتفع عدد الأطر بالبرلمان بشكل مشرف حيث ناهزت نسبة المهندسين المنتخبين بالغرفة الأولى العشرة بالمائة. كما تقلد مهندسون مناضلون داخل التمثيليات الهندسية الوطنية لحقائب وزارية مهمة. ونذكر منهم:

  • المهندس « عزيز الرباح » وزير التجهيز و النقل و اللوجستيك الذي أسس و ترأس جمعية خريجي المعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي و كان من الفاعلين النشيطين حين تأسيس النقابة الوطنية سنة 2007.
  • و كذلك المهندسة « شرفات أفيلال » الوزيرة المنتدبة لدى وزير الطاقة و المعادن المكلفة بقطاع الماء و التي كانت عضوة بالمكتب التنفيذي لجمعية الاتحاد الوطني للمهندسين المغاربة خلال ولاية المرحوم عبد الله السعيدي.
  • ولا أنسى المهندس « أنيس بيرو » الوزير المكلف بشؤون الجالية المغربية الذي يحافظ على علاقة جد متميزة مع قدماء خريجي المعهد الوطني للإحصاء و الاقتصاد التطبيقي.
  • و المهندس « عبد القادر عمارة » خريج معهد الزراعة و البيطرة الحسن الثاني الذي شغل منصب وزير الصناعة و التجارة و التكنولوجيا الحديثة ثم وزير الطاقة و المعادن و البيئة في نفس الحكومة.

ورغم تحسن الظرفية السياسية العامة لفائدة القضية الهندسية إلا أن الملفين المطلبيين للمهندسين المطروحين من طرف النقابة و الاتحاد لم يخرجا من الدرج طيلة الخمس سنوات التي دامتها حكومة بنكيران. وأستحضر هنا بعض خلاصات اللقاء الرسمي الذي جمع حينها السيد وزيرالتجهيز و النقل و اللوجستيك المهندس « عزيز الرباح » و المكتب التنفيذي للنقابة في 13 ماي 2015 حيث قام السيد الوزير بالإعراب عن استعداده التام للإسهام في تطوير تنظيم المهن الهندسية مع تحفظه على مقترح « تأسيس الهيئة الوطنية للمهندسين المغاربة » نظرا للمشاكل التنظيمية التي تعرفها باقي الهيئات المهنية الوطنية وتحول بعضها لمحميات تنخرها الفئوية و المحسوبية و للوبيات تعرقل أوراش الإصلاحات الحكومية.

كانت الرسالة واضحة: القضية محسومة سلفا و لا رغبة لحكومة بنكيران في تكرار تجارب فشلت و لو نسبيا في بلوغ أهداف تأسيسها. كما أنها ليست مستعدة للتخلي عن صلاحيات تنظيم المهن الهندسية لذلك المجهول المعلوم الذي سيطر على أغلبية أجهزة الاتحاد و النقابة.

واستحضارا لكل هاته المعطيات، فلا بد أن نتساءل عن سبب فشل الجميع، تنظيمات و أفرادا، في إخراج هذا الإطار إلى الوجود؟ كما يلزمنا الإجابة عن هذا السؤال بكل شجاعة و موضوعية حتى نستطيع استدراك القليل المتبقي، عسى أن يخلفنا جيل يحسن تدبير الملف ولا يهدر الوقت والمجهود عبر سلك نفس الطريق المقطوع والوعر الذي فرض عينا سلكه.

و إنه لمن المؤسف، ونحن على مشارف العقد الثالث من القرن الواحد و العشرين، أن نسجل عدم تجاوب « أصحاب القرار » مع مطلب فتح ورش تأسيس هيأة المهندسين المغاربة. كما إنه لمن المخزي أن ندرك عدم توفر التمثيليات الهندسية على مشروع قانون يبلور رؤيتهم أو على الأقل على أرضية مبدئية تأثث لنقاش واسع حول الموضوع. كما نزداد أسفا حين نرى تشردم خريجي مؤسسات التكوين الهندسي و اضطرارهم للقبول بممارسات تعصف بمساراتهم المهنية و بأخلاقيات المهن الهندسية و تبعدهم يوما بعد يوم عن التكثل في إطارات مهنية كفيلة بالدفاع عن مطالبهم المشروعة. ومن منظورنا فهذا راجع للأسباب التالية:

الشق القانوني

لا تتوفر الترسانة القانونية المغربية على قانون خاص لخلق الهيئات بالمغرب كما هو الشأن بأغلب الدول الديموقراطية. فهناك الظهيرالشريف رقم 1.57.119 بشأن النقابات المهنية وعليه تم الاعتماد لتأسيس نقابة المهندسين المغاربة سنة 2007 و هناك الظهيرالشريف رقم 1.58.376 بشأن الجمعيات و عليه تم الاعتماد لتأسيس الاتحاد الوطني للمهندسين المغاربة سنة 1971.

و بالتالي، يبقى خلق إطار الهيئات حكرا على « الدولة » بمفهومها المبهم، حيث تتنازل حين قبول تأسيسها عن صلاحياتها في تنظيم المهن لممارسيها نظرا لتوفرهم على شروط تضل غير معروفة و يتم ذلك وفق مساطر غير معلنة. وهذا ما يجعل، قانونيا، أمر تنظيم المهن الهندسية خارجا عن إرادة المهندسين المغاربة.

و للتذكير فقط، أضع بين أيديكم جدولا بكل التنظيمات المهنية المقننة بالمغرب مصحوبة بتاريخ تأسيسها و مراجع قوانينها المنظمة

القانون المؤسس تاريخ التأسيس الهيأة
ظهير 10 يناير 1924 10 يناير 1924 هيئة المحامين
ظهير 1 يوليوز 1940 1 يوليوز 1940 هيئة الأطباء
ظهير 21 فبراير 1955 21 فبراير 1955 هيئةالقابلات
الظهير 1-75-453 17 دجنبر 1976 هيئة الصيادلة
القانون 11-89 المتعلق بخطة العدالة 6 ماي 1982 هيئة العدول
الظهير رقم 1-92-139 / القانون 15-89 8 يناير 1993 هيئة الخبراء المحاسبين
الظهير 1-92-222 / القانون 016-89 10 شتنبر 1993 هيئة المهندسين المعماريين
الظهير 1-94-126 / القانون 30-93 25 فبراير 1994 هيئة المهندسين المساحين الطبوغرافيين
الظهير 1-11-179 / القانون 32-09 22 نونبر 2011 هيئة الموثقين
القانون 127-12 2016 هيئة المحاسبين المعتمدين

الشق التنظيمي

وكما كانت نشأت الاتحاد حدثا تاريخيا حين السبعينات فقد أعيدت الكرة سنة 2007 حين حضر أزيد من 700 مهندس إلى مدرسة المعادن بالرباط لكي يأسسوا « نقابة وطنية في أفق تأسيس هيأة وطنية ». كل الأمور كانت تسير على ما يرام حتى قام المتضررون من الصحوة الهندسية بالدفع إلى إحياء اتحاد سبت لما يزيد عن 14 سنة وتحريكه في اتجاه الصدام مع النقابة. لقد كنا في حاجة لتوحيد الصف حتى ننتزع الحق فإذا بنا نتفاجأ باستدراجنا إلى معركة وجودية يحاربنا فيها زملائنا طوعا وبالنيابة عن جيوب المقاومة. فقد راهنت قيادات المؤتمر السادس للاتحاد عن قربها من أحزاب الكتلة لتحقيق بعض التعديلات على القانون الأساسي للمهندسين بالوظيفة العمومية في حين رفضت النقابة الانصياع وراء هذا الطرح الذي يختزل مشاكل الهندسة الوطنية في فئة الموظفين ويتناسى المقاربة الشمولية التي تم تقديمها رسميا للحكومة سنة 2008.

كلفتنا هاته المعركة الكثير فقد أضعفت موقفنا أمام حكومة عباس الفاسي التي وجدت في الاتحاد المخاطب السهل المراس حيث تواطأت مع قياداته للتغطية عن نجاح المحطات النضالية التي خاضتها النقابة المستقلة وقدمت مقابلها مشروع قانون لم تستشر النقابة فيه ووقعه الاتحاد رغم تخليه عن العديد من المكتسبات السابقة للمهندسين والتي كان من الممكن الحفاظ عليها لو لم يفضل المتواطئون ومحترفو الركوب على المطالب المجتمعية المشروعة لتسييس الملف ووضعه ضمن رزنامة ملفات المزايدات التي عرفها الحراك المجتمعي لسنة 2011.

وللأسف، فإن تغيير قيادة الاتحاد في يونيو 2012 لم تكرس من جهة إلا هيمنة فريق منضبط ومنظم خارج الإطار الهندسي ومن جهة أخرى تواطؤ الصف اليساري الأقلي الذي قبل الجلوس على رأس الاتحاد والتغطية على جبل الجليد تحته. كما أن ما حدث أثناء المؤتمر الوطني الثالث للنقابة سنة 2013 حين وجد المؤسسون صعوبة في الحفاظ على أغلبية اللجنة الادارية أمام مد الفصيل المنظم واستمرار رفض قيادة الاتحاد لليد الممدودة من أجهزة النقابة ونداء توحيد الصف الذي بلغوا به رسميا قبل أن تضطر النقابة لنشره.

أمام هذا الوضع المترهل للجسم الهندسي والذي لا يزيد إلا استفحالا يوما بعد يوم، وبعد تمادي الاتحاد واستماتته في رفض مشاركة النقابة في تنظيم المناظرة الوطنية الأولى للهندسة الوطنية و التي ألغيت فيما بعد. وبعد استحضار البعد السياسي للملف وما تعرفه باقي الهيئات المهنية من مشاكل تنظيمية ووقوف بعضها ضد إرادة حكومة بنكيران لإصلاح بعض القطاعات، فلا يسعنا إلا أن أتفهم تخوف الحكومة من خلق هيأة لم توفر أبسط الضمانات حتى تتنازل لها « الدولة » عن سلطة تسيير القطاع خدمة للمصلحة العامة.

الشق الاجتماعي

شخصيا، بعد أكثر من خمسة عشرة سنة من العمل الميداني على واجهات مختلفة وبعد تبادل أطراف الحديث مع العديد من الفاعلين المجتمعيين يمكنني الجزم بأن فئة المهندسين هي أصعب فئة يمكن تعبئتها للدفاع عن أي قضية ولو كانت تخص مصالحها. لا أقول بأنه يستحيل ولكنني أجزم باستعصاء ذلك على أغلب من سبق. فأغلبية المهندسين تميل إلى الانطواء على نفسها والابتعاد عن العمل الجمعوي والنقابي والحقوقي وتفضل التسويق لنفسها مستعملة بطاقة كفاءاتها التقنية واستعدادها لخدمة من يفتح لها مجالا أوسع لتطوير مسارها المهني بالدرجة الأولى.

فعادة ما يتفادى المهندسون الانخراط في العمل النقابي لتخوفهم الشديد من عقباته على تدرجهم المهني وعلاقتهم مع المشغل سواء أكان بالقطاع العام أو الخاص. ومن هذا الباب كنا نتفهم تفضيل من ضاقت بهم الأبواب اللجوء للانخراط بالاتحاد الذي يبقى جمعية غير ملزمة للمشغل التفاعل مع بياناتها ومواقفها وهو ما أضاع على المهندسين فرصة المشاركة في الانتخابات المهنية للدفاع عن مصالحهم طيلة العقود الفارطة. ولا أخفيكم أنه قد حدث وأن هوجمنا، وأقولها أسفا، بهمجية وتغطرس من زملاء طرقنا بابهم لتبليغهم دعوة المشاركة في إضراب أو وقفة احتجاجية للدفاع عن مصالحهم.

الشق السياسي

يضل المهندس المغربي أكبر العازفين عن الممارسة السياسية وذلك رغم تواجده في قلب الأوراش الكبرى للبلاد و هو خلاف ما كان عليه الحال قبل سنوات الرصاص. لقد هجر المهندس الساحة السياسية وترك مقعده فارغا لفئات لا ولن تقدر القضية الهندسية حق قدرها. فقد كنا نلتقي الأحزاب لتحسيسها بأهمية القضية وأبعادها وسائلين دعمها في المحطات المهمة. لكن لا حياة لمن تناد. فنحن بنظرهم أقلية مشتتة غير قادرة على مساعدتهم سياسيا في ضمان ولو مقعد واحد على مستوى المحليات أو الغرف، ناهيك عن التشريعيات. فلماذا سينخرطون في الدفاع عن فئة لا تصوت أصلا وتتفاعل سلبا مع خطاباتهم. ولعل من أغرب ما يمكن مصادفته هو أنه لم تخلو حكومة يوما من مهندس كما لم تخلو قيادة نقابة منهم إلا أن ولائهم يكون للقيادات التي دعمتهم لوصول هاته المقاعد وليس لزملائهم الذين حاربوهم و تخلوا عنهم بذرائع عادة أقل ما توصف به أنها كانت واهية.

و للختم، فلربما السبيل الوحيد المتبقي أمام كل من صدقت دعوته لخلق هيأة المهندسين المغاربة، هو توحيد الجهود و ليس توحيد الإطارات، من أجل تحقيق« صحوة هندسية » تغير جدريا تصور المواطن لدور الهندسة و المهندس داخل المجتمع المغربي. و هو ما يبقى رهينا بدرجة انخراط المهندسين في ورش التواصل مع باقي مكونات المجتمع و تقريبهم من حقيقة المهن الهندسية و تبسيط ميكانيزماتها لأوسع مدى و نطاق ممكنين.

نعم، لم يتبقى لنا إلا خيار جعل مطلب تنظيم المهن الهندسية مطلبا جماهيريا إن أردنا إخراج هذا الإطار للوجود.

Partager:

Ajouter un commentaire

Votre adresse email ne sera pas publiée