Articles

الخطوط الأساسية والمشتركة لمشكلة التكوين الهندسي بالمغرب

المهندس أحمد بخري يستعرض الخطوط الأساسية والمشتركة لمشكلة التكوين الهندسي بالمغرب

Ahmed Bakhri أحمد بخريبعد تجربة طويلة بأسلاك التكوين الهندسي حيث شغل عدة مناصب المسؤولية  داخل المدرسة الحسنية للأشغال العمومية (2004-2013)  و كاتبا عاما للمدرسة الوطنية العليا للفنون و المهن  بالدار البيضاء(2016-2019). يستعرض المهندس أحمد بخري، نائب رئيس النقابة الوطنية للمهندسين المغاربة، الخطوط الأساسية والمشتركة لمشكلة التعليم الهندسي بالمؤسسات الوطنية و يوجزها كما يلي:

القدرة الاستيعابية للمؤسسات التعليمية الهندسية-

فائض عدد الطلبة المهندسين مقارنة بالقدرة الاستيعابية لمؤسسات التكوين الهندسي من حيث المباني وعدد أعضاء الهيئة التدريسية والإمكانيات المختبرية. حيث تحولت المحاضرات التفاعلية إلى منصات إلقاء من طرف واحد. والدروس العلمية إلى مشاهدة من بعيد. و بالتالي فقدنا أسلوب الممارسة والتمرن الحقيقيين الذي ميز هذا السلك في السابق.

الإعداد القبلي للمرحلة الجامعية –

من أبرز الحواجز التي يواجهها الطالب المهندس منذ صغره و زيادة على المكون اللغوي، يوجد الاعتماد على مصدر واحد -و هو الكتاب المقرر- كوسيلة مضمونة لنيل المنهاج. فإذا استثنيا بعض المقررات الهندسية التي لا تتطلب بشكل أساسي ممارسة عملية ، فان الجزء الأكبر لا يمكن استيعابه إلا من خلال الممارسة و التمارين التطبيقية. هذا الفراغ في الممارسة بصورة عامة يعني تكريس حالة اغتراب المواد العلمية والتكنولوجية التي يتلقاها الطالب أثناء دراسته.

هيئة التدريس –

نلاحظ أن نسبة لا بأس بها من هيئة التدريس(الأساتذة) في المدارس و المعاهد و الكليات الهندسية لم يمارسوا عمليا المهنة التي يدرسونها والصورة التالية تكاد تكون الحالة المثلى لأستاذ الهندسة في معظم الجامعات.

فهو طالب ذكي متفوق يحصل على مجموع عال من الدرجات في دراسته الثانوية يلتحق بالجامعة ليثبت تفوقه أيضا في الجامعة ويعين بعد تخرجه كمعيد في نفس الكلية ليقضي سنة أو سنتين يساعد أستاذه في تصحيح الامتحانات وحل المسائل وبعد فترة يوفد إلى الخارج للحصول على الماجستير أو الدكتوراه ويعود بعدها ليعمل في هيئة التدريس مدرسا ومع مرور الزمن يترقى إلى درجة الأستاذية حسب لوائح الجامعة.

فإذا كان هذا الأستاذ مهندسا فهو يصل إلى مرتبة الأستاذية بدون أن يمارس الهندسة كمهنة ، ولا يعرف التكنولوجيا المعرفية تشريحا إلا بحدود ضيقة، إنه عالم باختصاصه في العلوم الهندسية ويستطيع أن ينقل لطلابه هذه العلوم. أما الهندسة كقضية مركبة فهي بعيدة عن ذهنه، لأنه ببساطة لم يمارسها وكذلك فان استيعاب طلابه للهندسة بمفهوم تركيبي يكون ضئيلا ومحددا وما ينطبق على مدرسة المهندسين ينطبق على غيرها من جل الكليات الهندسية وبدرجات متفاوتة الخطورة.

محاكاة الجامعات الأجنبية –

يتم اختيار برامج التعليم في معظم المدارس الهندسية على أساس محاكاة الجامعات الأجنبية الغربية كدليل على الترقي وبدون محاولة لتصميم برامج التعليم من واقع احتياجات بلدنا. حيث غالب ما تشتكي الشركات الصناعية والإنتاجية من أن خريجي التخصصات الهندسية الجدد تنقصهم المهارات الهندسية العملية والتي تجعل منهم أقل إنتاجية.

كذلك السلم التعليمي الهندسي المطبق مقتبس ولا يسمح للطالب بالتعرف على مدى فعالية المواد العلمية التي يتلقاها في المجال العملي الذي سينخرط فيه بعد التخرج. أي أن النظام الدراسي لا يسمح له بقضاء وقت خارج الفصول الدراسية أي في مجال تخصصه.

التوسع الكبير في الكليات الهندسية –

هناك جانب موضوعي آخر نتج عن التوسع الكبير في الكليات وخاصة العلمية منها. حيث أن الإقبال على الكليات العلمية والفنية من خريجي الدراسات الثانوية بالغ القوة ويفوق مرات كثيرة إمكانية هذه الكليات عن الاستيعاب. سواء من حيث المباني أو المختبرات أو أعضاء هيئة التدريس. فقد شكل التوسع في إقامة الجامعات وخاصة الكليات الهندسية والتقنية واحدا من أهم السمات التي تتميز بها سياسة التعليم تنفيذا وتخطيطا و خير دليل في المغرب مشروع عشرة ألاف مهندس(10000) مهندس في أفق ضيق ثم تضخيمه الى عشرون ألفا(20000) مهندسا.

ويلاحظ ان الكليات والمعاهد الجديدة تنشأ على نمط الكليات القديمة بدون مراجعة أو تطوير يذكر. بل إن هناك محاولات دائمة من مسؤولي الأقسام ومن أعضاء الهيئة التدريسية (الأساتذة) لمحاكاة المؤسسة أو الجامعة القديمة أو الأم في كل شيء.

كيف يمكن تصور المستقبل –

اذا أردنا أن يكون التعليم الهندسي لدينا مبنيا على تخطيط علمي فلابد من التركيز على ما يلي:

  1. ضبط طبيعة المادة العلمية فيما تكونه من مهارات بموجب حاجة المتخرجين والمجتمع بعد حصولهم على درجتهم الهندسية وانخراطهم في الحياة العملية.
  2. ضرورة إدماج التخطيط للتعليم الهندسي مع التخطيط الاجتماعي و الاقتصادي.
  3. ضرورة أن يشمل تخطيط التعليم الهندسي الجوانب الكمية والكيفية للتعليم. فلا يجوز الاقتصار على الجوانب الكمية فقط مثل عدد الطلاب والأساتذة والأقسام. وإنما لابد من الالتفات إلى الجوانب الكيفية والنوعية مثل أهداف وفحوى التعليم الهندسي وأعداد هيئة التدريس ووضع البرامج والمحتوى العلمي.
  4. وضع استراتيجيات وأهداف محددة للتعليم الهندسي على المدى الطويل من( 30-50) سنة، والتنسيق بين الجهات الحكومية والمعاهد التعليمية والقطاعات. لأن تطبيقات العلوم والتقنية الحديثة تعتمد اعتماداً مباشراً على مخرجات التعليم التقني والنهضة الصناعية المتقدمة. و التي تعتمد على مساهمة الأطراف الثلاث في بناء البنية التحتية ووضع النظم واللوائح وتقديم الدعم والمشاركة الفعالة.
  5. وضع استراتيجيات طويلة المدى لبرامج التعليم الهندسي و مخرجات البحث العلمي.
  6. تشجيع الكفاءات ذات الخلفية العلمية والهندسية لإدارة المؤسسات التعليمية العامة والخاصة وعدم استيراد المدراء وعمداء الكليات ورؤساء الجامعات من الخارج .
  7. لا بد من النظر في البرامج الهندسية بحيث تتناسب مع متطلبات القطاعات الهندسية للدولة أنيا و مستقبلا. كما أنه من الضروري تبادل الخبرات مع الجامعات الدولية من أجل الاطلاع على قدرات هذه الجامعات. إضافة إلى تبادل وانتاج الأبحاث وخاصة الاستراتيجية منها و التي تركز على النظرة المستقبلية لدول مجاورة تشترك بمشاكل متشابهة كدول البحر الأبيض المتوسط والدول الافريقية و الدول العربية و غيرهم.
  8. وضع دفاتر تحملات موحدة للتعليم العام والخاص ومراقبة وتتبع موحد ومعايير موحدة لولوج معاهد ومدارس وجامعات المهندسين.
  9. العمل على خلق هيئة للمهندسين المغاربة يكون هدفها التكوين الأساسي والمستمر والتقنين وتنظيم وتحصين ممارسة المهنة.

المهندس أحمد بخري

نائب رئيس النقابة الوطنية للمهندسين المغاربة

Partager:

Ajouter un commentaire

Votre adresse email ne sera pas publiée